08.أكتوبر 2020

روح جميلة

في أحد أيامنا الأسبوعية في وحدة العناية الحثيثة في مستشفى الجامعة الأردنية، دخلنا الغرفة ونحن نحمل ألحاننا وضحكاتنا، نغني ونعزف على آلة الأوكوليله لثلاثة أطفال هناك. كان في السرير الأوسط طفل يبلغ من العمر نحو ثلاث أو أربع سنوات، عيناه مفتوحتان تتجهان نحو السقف، لا يستطيع تحريك رأسه، يحاول جاهدًا أن ينظر إلينا. بدا هادئًا، لكنني لمحت دمعةً عند طرف عينه اليمنى. لم أدرِ إن كان قد بكى قبل وصولنا، أم أن هذه هي طريقته في البكاء — دموع تنساب في صمتٍ عميق.

اقتربت منه بخطواتٍ بطيئة، أغني له بهدوءٍ شديد، حتى أصبحت فوق رأسه تمامًا، وهناك التقت عيوننا. لحظة صمتٍ ناطقة، نظر إليّ نظرةً عميقة لم تفارقني، وكأننا انخرطنا في حديثٍ روحيٍ بلا كلمات. كانت عيناه تتكلمان بلغةٍ لا تُترجم — لغة الحب الخالص.

أشرت إلى شريكتي المهرجة أن تقترب منا، فجاءت، وساعدتها لأقرب مكان يمكنه أن يراها منه. نظر إلينا بكل الامتنان والعطف في العالم، وشاهدت صدره يتحرك بعمقٍ وهو يأخذ شهيقًا طويلاً، كأنه تنفّس راحةً وطمأنينة. بقدر ما لامسنا قلبه، لامس هو شيئًا عميقًا فينا أيضًا. بقدر ما أخذ منا، منحنا أضعافًا مضاعفة.

شكرًا لك، أيتها الروح الجميلة.

abaton-monitoring